سورة الطور - تفسير تفسير القشيري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الطور)


        


{وَالسَّقْفِ المَرْفُوعِ}.
هي السماء. وقيل سماء هِمَمِهم في الملكوت.
{وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ}.
البحار المملوءة.
أقسم بهذه الأشياء: {إنَّ عذابَه لواقع} وعذابُه في الظاهر ما توعَّدَ به عبادَه العاصين، وفي الباطن الحجابُ بعد الحضور، والسترُ بعد الكشف، والردُّ بعد القبول.
{مَّا لَهُ مِن دَافِعٍ}.
إذا رَدَّ عَبْداً أَبرمَ القضاءَ بردِّه:
إذا انصرفت نفسي عن الشيء لم تكن..... إليه بوجه آخَر- الدهر- تُقْبِلُ قوله جلّ ذكره: {يَومَ تَمُورُ السَّمَآءُ مَوْراً وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْراً}.
{تَمُورُ}: أي تدور بما فيها، وتسير الجبالُ عن أماكنها، فتسير سيراً.
{فَوَيْلٌ يَوْمئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ الَّذِينَ هُمْ فِى خَوْضٍ يَلْعَبُونَ}.
الويلُ كلمة تقولها العرب لمن وقع في الهلاك.
{فِى خَوْضٍ يَلْعَبُونَ}: في باطل التكذيب يخوضون.
{يَوْمَ يُدَعُّونَ إلَى نَارٍ جَهَنَّمَ دَعًّا هَذِهِ النَّارُ الَّتِى كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ أَفَسِحْرٌ هَذَآ أَمْ أَنتُمْ لا َتُبْصِرُونَ}.
يومَ يُدْفَعون إلى النارِ دَفْعاً، ويقال لهم: هذه هي النار التي كنتم بها تُكذِّبون...
ثم يسألون: أهذا من قبيل السحر على ما قلتم أم غُطِّيَ على أبصاركم؟!
قوله جلّ ذكره: {اصْلُوْهَا فَاصْبِرُواْ أَوْ لاَ تَصْبِرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}.
والصبرُ على الجزاء في العاقبة لا قيمة له، لأنَّ عذابَهم عقوبةٌ لهم:
قوله جلّ ذكره: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِى جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ فَاكِهِينَ بِمَآ ءَاتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ}.
المتقون في جنات ونعيم عاجلاً وآجلاً. {فَاكِهِينَ} أي مُْعْجَبِين بما آتاهم ربهم وما أعطاهم.
ويقالك فاكهون: أي ذوو فاكهة: كقولهم رجل تامر أي ذو تمر، ولابنٌ أي ذو لَبن.


قوله جلّ ذكره: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}.
قوم يصير لهم ذلك هنيئاً بطَعْمِه ولَذَّتِه، وقومٌ يصير هنيئاً لهم سماعُ قولهم عنه- سبحانه- هنيئاً، وقوم يصير لهم ذلك هيناَ ليِّناً وهم بمشهد منه:
فاشرب على وجهها كَغُرَّتِها *** مُدامةً في الكؤوس كالشَّررِ
{مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ}.
يظلَّون في سرور وحبور، ونصيب من الأنْس موفور.
قوله جلّ ذكره: {وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ}.
يُكْملُ عليهم سرورهم بأَنْ يُلْحِق بهم ذُرِّياتِهم؛ فإنَّ الانفرادَ بالنعمة عَمَّنْ القلبُ مشتغِلٌ به من الأهل والولد الذرية يوجِب تَنَغص العيش.
وكذلك كلُّ مْن قلبُ الوليِّ يلاحِظه من صديق وقريب، ووليٍّ وخادم، قال تعالى في قصة يوسف: {وَأْتُونِى بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ} [يوسف: 93].
وفي هذا المعنى قالوا:
إنيِّ على جفواتها- فبربِّها *** وبكلِّ مُتَّصلٍ بها متوسِّلِ
لأحُّبها وأُحِبُّ منزلَها الذي *** نزلت به وأحب أهل المنزِل
{وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَئ كُلُّ امْرِئ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ}.
أي ما أنقصنا من أجورهم من شيءٍ بل وفينا ووفَرنا. وفي الابتداء نحن أَوْليْنا وزدنا على ما أعطينا.
{كُلُّ امْرِى بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} مُطَالَبٌ بعمله، يوفىَّ عليه أَجره بلا تأخير، وإنْ كان ذنباً فالكثيرُ منه مغفور، كما أنه اليوم مستور.
قوله جلّ ذكره: {وَأَمْدَدْنَاهُم بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِّمَّا يَشْتَهونَ يَتَنَازَعُونَ فِيهَ كَأْساً لاَ لَغْوٌ فِيهَا وَلاَ تَأْثِيمٌ}.
أي لا يجري بينهم باطلٌ ولا يؤثمهم كما يجري بين الشَّربِ في لدنيا، ولا يَذْهبُ الشُّرْبُ بعقولهم فيجري بينهم ما يُخْرِِجهم عن حَدِّ الأدبِ والاستقامة.
وكيف لا يكون مجلسهم بهذه الصفة ومِن المعلوم من يسقيهم، وهم بمشهد منه وعلى رؤية منه؟


قوله جلّ ذكره: {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ}.
والقومُ عن الدارِ وعمَّن في الدار مُخْتَطَفون لاستيلاء ما يستغرقهم؛ فالشرابُ يؤنِسُهم ولكن لا بِمَنْ يجانسهم؛ وإذا كان- اليومَ- للعبد وهو في السجن في طول عمره ساعة ُ امتناع عن سماع خطاب الأغيار، وشهود واحدٍ من المخلوقين- وإنْ كان ولداً عزيزاً، أو أخاً شفيقاً- فمِنَ المحال أنْ يُظَنْ أنه يُرَدُّ من الأعلى إلى الأدنى.. إِنْ كان من اهل القبول والجنة، ومن المحال أن يظن أنه يكون غداً موسوماً بالشقاوة.
وإذا كان العبدُ في الدنيا يقاسي في غُرْبتَه من مُقاصاة اللتيا والتي- فماذا يجب أن يقال إذا رجع إلى منزله؟ أيبقى على ما كان عليه في سفرته؟ أم يلقى غير ما كان يقاسي في سَفْرته، ويتجرع غير ما كان يُسْقى من كاسات كُرْبته؟
قوله جل ذكره: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ قَالُواْ إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِى أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومٍ}.
لولا أَنهم قالوا: {فَمَنَّ اللهُ عَلَيْنَا} لكانوا قد لاحظوا إشفاقَهم، ولكن الحقّ- سبحانه- اختطفهم عن شُهود إِشفاقهم؛ حيث أَشهدهم مِنَّتَه عليهم حتى قالوا: {فَمَنَّ اللهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ} {إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ}.
قوله جلّ ذكره: {فَذَكِّرْ فَمَآ أَنتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بَكَاهِنٍ وَلاَ مَجْنُونٍ}.
أي أنهم يعلمون أَنَّكَ ليست بك كَهَانةٌ ولا جُنونٌ، وإنما قالوا ذلك على جهة التسفيه؛ فالسّفيهُ يبسط لسانُه فيمن يَسُبُّه بما يعلم أنه منه بريء.
{أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ قُلْ تَرَبَّصُواْ فَِإنِّى مَعَكُم مِّنَ الْمُتَرَبِّصِينَ}.
نتربص به حوادث الأيام؛ فإنّ مِثْل هذا لا يدوم، وسيموت كما مات مِنْ قبْله كُهّانٌ وشعراء.
ويقال: قالوا: إنَّ أباه مات شابّاً، ورَجَوْا أَنْ يموت كما مات أبوه، فقال تعالى: {قُل تَرَبَّصُواْ...} فإننا منتظرون، وجاء في التفسير أَنّ جميعَهم ماتوا. فلا ينبغي لأحدٍ أن يُؤمِّلَ موتَ أحدٍ. فَقَلْ مَن تكون هذه صَنعتُه إلاّ سَبَقَتْه المَنيَّةُ- دون أَنْ يُدْرِكَ ما يتمنّاه مِنْ الأمنيّة.
قوله جلّ ذكره: {أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلاَمُهُم بِهَذَآ أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ}.
أتأمرهم عقولهم بهذا؟ أَم تحملهم مجَاوزة الحدّ في ضلالهم وطغيانهم عَلَى هذا؟
قوله جلّ ذكره: {أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لاٍَّ يُؤْمِنُونَ فَلْيَأْتُواْ بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُواْ صَادِقِينَ}.
إذا كانوا يزعمون أنك تقول هذا القول من ذاتِ نَفْسك فليأتوا بحديثٍ مثلِه إنْ كانوا صادقين فيما رَمَوْك به!

1 | 2 | 3 | 4